قد نرى أن استخدام برمجيات الذكاء الاصطناعي في البرمجة أمر مبالغ فيه قليلاً. ولكن ذلك ليس بالنسبة لمطوري البرامج في الشركات الكبيرة. حيث أظهرت دراسة جديدة شملت (500 مبرمج)، أجرتها شركة GitHub، التابعة لمايكروسوفت، أن نسبة 92% من المبرمجين الذين شملتهم الدراسة يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي في عملهم بالبرمجة!
قامت GitHub بالتعامل مع شركة الاستطلاعات وايكفيلد ريسيرش، وهي شركة استطلاعات رأي مقرها في ولاية فيرجينيا، لإجراء الدراسة وتحليل الأرقام. وبينما اكتشفت الدراسة في الشركة أن 92% من المبرمجين في الشركات الكبيرة يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي، اكتشفت أيضاً أن 70% من المشاركين أفادوا بأنهم يرون استخدام الذكاء الاصطناعي مفيد في عملهم بالبرمجة. ولكن على الرغم من أن المنطق يقول إن هذه الأدوات تستطيع مساعدة المطورين على إنشاء وتصحيح البرمجيات بشكل أسرع، إلا أن نتائج الاستطلاع كشفت أن حجم البرمجيات قد لا يكون أفضل مقياس لقياس الإنتاجية باستخدام هذه الأدوات الجديدة، حيث أن الذكاء الاصطناعي غالبا ما يقدم برمجيات بحجم كبير.
وقد صرّحت GitHub: "يقول المطورون إن أدوات الذكاء الاصطناعي للبرمجة يمكن أن تساعدهم على تحقيق معايير الأداء الموجودة بجودة البرمجيات المحسنة والإخراج الأسرع وعدد أقل من الأحداث على مستوى الإنتاج". مضيفةً: "مع زيادة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في تطوير البرمجيات - والتي غالباً ما تساهم في زيادة حجم البرمجيات - سيحتاج قادة الهندسة البرمجية إلى أن يتساءلوا عما إذا كان قياس حجم البرمجيات لا يزال هو أفضل طريقة لقياس الإنتاجية والإخراج".
وحيث أن دراسة GitHub صادمة ولكنها ليست الدليل الوحيد على أن المبرمجين يعتمدون على الذكاء الصناعي لكتابة برمجياتهم. ففي الشهر الماضي، أكدت منصة Stack Overflow- التي تُعتبر منتدى رئيسي للأسئلة والأجوبة التي يطرحها المبرمجين ممن حول العالم؛ أن تراجع الزيارات على الموقع يعود إلى هجرة المبرمجين إلى شات جي بي تي.
وأفادت أيضاً شركة تحليلات الويب SimilarWeb في أبريل بأن Stack Overflow شهدت انخفاضاً في الزيارات في كل شهر منذ بداية عام 2022م، حيث بلغ متوسط الانخفاض 6% في مارس. ثم انخفضت الزيارات أكثر فأكثر حتى وصلت نسبة الانخفاض في أبريل، إلى نسبة 17.7% عن شهر مارس. فليعثر أحد المبرمجين على أجوبة لاستفساره، عليه أن ينشر مشكلته على منتديات الموقع وانتظار ساعات أو أيام أو حتى قد تصل لأسابيع حتى يجد رداً على سؤاله من قبل مستخدم بشري آخر يعمل كمبرمج.
وفي المقابل يمكن لشات جي بي تي، روبوت الدردشة الشهير المقدم من شركة أوبن إيه آي، أن يوفر حلاً فورياً خلال ثواني معدودة للمبرمج. (ولكن بالطبع، تعتمد تلك النتائج في كثير من الأحيان على بيانات مجموعة من Stack Overflow).
المبرمجين الذين شملتهم الدراسة يؤكدون على الفوائد الإيجابية التي تعود على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتعزيز عملهم الحالي، ولكن ذلك قد يكون ليس بالشيء الجيد على المدى القريب، حيث قد يكون المبرمج الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي مهدد باستبداله شخصه هو بالذكاء الاصطناعي ذاته!
ففي مطلع شهر يونيو من عامنا الجاري، كشف تقرير رسمي أنه في شهر مايو فقط، تم فقدان حوالي 4000 وظيفة مباشرة بسبب وجود الذكاء الاصطناعي. ومع وجود أحاديث عن اقتراب ركود اقتصادي، فإنه من الممكن أن تتجه الشركات بالفعل إلى تخفيض عدد الموظفين البشريين في قوتهم العاملة لصالح برمجية بسيطة تعمل بالذكاء الصناعي، وذلك بهدف توفير الكثير من النقود التي تُدفع كرواتب. وبالفعل بتنا نرى عمالقة الشركات التكنولوجية تتوجه إلى تخفيض أعداد الموظفين.
على الرغم من جميع ما تحدثنا عنه في الفقرة السابقة، فإنه من الواضح وضوح الشمس أن الشركات تتجه للتجاهل المتعمد عن أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون بمثابة مكمّل للعامل البشري. وذلك من خلال أتمتة المهام التافهة والقضاء عليها تماماً، وبالتالي سنكسب تحسين أداء كل من الذكاء الاصطناعي واليد العاملة البشرية.
أي أنه وفي الختام شئنا أم أبينا فإن الذكاء الاصطناعي قد دخل عالمنا وأسواقنا وشركاتنا. والدور الأكبر الذي يقع على عاتقنا ومطالبين به هو عدم النظر إليه كمنافس وإنما كمساعد، فحتى الآن كل برمجيات الذكاء الاصطناعي ليست ذكية بما يكفي للاعتماد عليها بشكل أعمى كما يروج حالياً، لا زالت تحتاج توجيهاً. وهي في الأصل موجهة ومبرمجة من قبل البشر لأداء مهمة محددة. وهنا يأتي دور الشركات في أتمتة العمل وتعيين البشر مشرفين على الأتمتة لا إرسالهم لمنازلهم مع راتب تعويضي بسيط.