بادئ ذي بدء، على امتداد الحياة البشرية على كوكب الأرض، شكلت الزلازل الحدث الأكثر غموضاً على الإطلاق. ذلك جعلها حدثاً خطيراً لما له من آثار مدمرة للبشر والحجر. وبالطبع، تنتشر الكثير من المغالطات بين حينٍ وآخر بما يخص التنبؤ بها ومكان وقوعها وشدتها.
لكن هل يمكن ذلك فعلاً؟ هل يمكننا تجهيز أنفسنا لها والتقليل من أضرارها؟ وما قصة التجربة اليابانية؟ هل نجحت فعلاً في درء مخاطر الزلازل؟ أم أنها كغيرها ما تزال تحت التهديد؟
كل ذلك وأكثر، هو ما سنتعرف عليه في هذا المقال. إضافةً إلى توضيح المعلومات الموثوقة وتجنّب المضللة منها والتي تنتشر كالنار في الهشيم إزاء حدوث أي زلزال أو هزة أرضية.
ما المقصود بالزلازل؟ وكيف تحدث؟
الزلزال عموماً هو حركة الطبقات التكتونية تحت سطح الأرض. وهو يحدث بشكل مباغت وسريع، إذ يبلغ متوسط زمن حدوثه بضعة ثوانٍ للهزات الخفيفة وقد تزداد لتصبح بضع دقائق للزلازل القوية.
إن أكثر الدول تعرضاً للزلازل هي اليابان وإندونيسيا والصين والفلبين وإيران. ومن الجدير بالذكر، أن قشرة الأرض تقسم إلى 3 أحزمة هي: الحزام الناري، الحزام الألبي، والحزام منتصف الأطلسي. تحدث حوالي 80% من الزلازل في الحزام الناري، وبالطبع تقع اليابان ضمن هذا الحزام.
يمكن تلخيص أسباب حدوث الزلازل ببساطة، فكما سبق الذكر، إن الصفائح التكتونية تتحرك بشكل دائم ببطء. لكنها تتوقف عن الحركة أحياناً. وذلك بسبب احتكاك حواف الصفائح فيما بينها والناجمة عن حركة الصفائح المجاورة لبعضها البعض. مع مرور الوقت، يتغلب الضغط الناشئ عند الحواف على الاحتكاك كون أن الوضع الطبيعي للصفائح التكتونية هو الحركة المستمرة. فنتيجة لذلك، يحصل الزلزال من أجل تفريغ هذه الطاقة على شكل موجات تنتقل إلى سطح الأرض. مؤدياً ذلك إلى حدوث الاهتزاز الذي نشعر به باختلاف شدة الزلزال. في سياق آخر، تفيد الزلازل في تشكيل سطح القشرة الأرضية، فمثلاً إن تتالي حدوث الزلازل في إفريقيا يمكن أن يؤدي إلى نشوء بحر جديد فيها!
الفرق بين الهزة الأرضية والزلزال
إن الفارق الوحيد بينهما هو شدة الزلزال. لكن من الجدير بالذكر أنه يحدث العديد من الهزات الارتدادية بعد أو قبل الزلزال الكبير الذي يحدث أولاً. أي أن الهزة الأرضية قد تحدث كمؤشر طبيعي وملازم لكل زلزال كبير. وكذلك الأمر، يمكن أن يكون الزلزال ذو شدة ضعيفة وبالتالي نطلق عليه اسم الهزة الأرضية.
ومن الشائع اعتبار جميع الزلازل ذات الشدة الأقل من 5 درجات على مقياس ريختر على أنها هزة أرضية. وخلافاً لذلك يسمى زلزالاً.
لتعزيز الفكرة أكثر، لا يمكننا أن ننسى الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا فجر السادس من فبراير لعام 2023م والذي كان مركزه مدينة كهرمان مرعش التركية. كانت أضراره ضخمة للغاية ووصل إلى شدة قدرها 7.8 درجة على مقياس ريختر. لذلك تم تصنيفه على أنه زلزال كبير. أما الزلازل ذات الشدة الأعلى، أي بين 8.9-8.0 فتسمى بالزلازل العظيمة. بينما الزلازل ذات الشدات 6.9-6.0 فتسمى بالقوية، والتي بين 5.9-5.0 فهي زلازل معتدلة.
هل يمكننا التنبؤ فعلاً بالزلازل؟
بالنسبة للدراسات الفلكية فلا يوجد أي دليل علمي على علاقة حركة الكواكب بنشوء الزلازل أو توقّع مكان وزمان حدوثها. وإن سبق وأن نجح توقّع ما فهو بمحض الصدفة البحتة ليس إلا أو مجرد نظريات غير مثبتة علمياً!
ولكن في حقيقة الأمر، قد تشعر بعض الحيوانات بالزلزال قبل حدوثه بـ15 إلى 20 دقيقة تقريباً. كما أنها تتصرف بشكل غريب وتصدر أصواتاً غير مألوفة. لذا إن كنت تمتلك حيواناً أليفاً، فيمكنك اعتبار ذلك مؤشراً لاتخاذ إجراءات الأمان والسلامة اللازمتين لتجنب أضراره. لكن ذلك بالتأكيد ليس قاعدة عامة، أي أنه يمكن أن يحدث زلزال دون أن تبدي الحيوانات أية ردة فعل غريبة. إذاً يبقى السؤال هنا هو:
كيف يمكن للحيوانات أن تشعر بالزلازل قبل الإنسان؟
في الحقيقة، إن الحيوانات تشعر بالموجات الصغيرة التي تنشأ عند بداية نشوء الزلزال. في حين أننا نحن البشر لا نشعر بها قبل أن تصبح هذه الموجات كبيرة إلى حد ما، وقلة قليلة من البشر فقط هم من يشعرون بالزلازل في بداية حدوثها.
كيفية تجنب أضرار الزلازل
بالتأكيد لا يمكننا التنبؤ بالزلازل ولا ساعة حدوثها ولا شدتها على الإطلاق. ولا يوجد أي مصدر موثوق عالمياً حتى الآن استطاع تأكيد أو نفي حدوث أي زلزال. لذا فإننا سنستعرض بعض الخطوات التي تخفف من نتائجه وآثاره. سواء خلال حدوث الزلزال، أو في حياتنا الطبيعية مع عدم علمنا بموعد حدوثه.
أولاً: عدم الاعتماد إلا على الأخبار التي تكون من مصدر موثوق
يجب تجنب الأخبار المضللة والتي لا هدف لها سوى إثارة الخوف في أنفسنا. وهي باتت تنتشر بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي عند وجود أي حدث متداول. وذلك بغية جمع التفاعلات مع الجمهور. لذا من الضروري جداً الابتعاد عن كذب هذه الوسائل مع الاعتماد على المصادر الموثوقة في تلقّي جميع الأخبار المتعلقة بذلك.
ثانياً: تحديد مكان آمن للجوء إليه في وقت الشدة
لا بد من تحديد الأماكن الأكثر أمناً وتماسكاً في منزلك أو مكتب عملك. مع توخي الحذر من المناطق أو الجدران المتشققة بشكل خطير، وترميمها إن أمكن ذلك.
ثالثاً: الابتعاد عن الأشياء الثقيلة القابلة للحركة بفعل الزلزال
عليك الابتعاد عن كل ما هو غير ثابت في المكان الذي أنت فيه أثناء حدوث الزلزال. فعلى سبيل المثال، تعتبر النوافذ مصدر خطر كبير كون الزجاج المتطاير يمكن أن يسبب جروحاً بالغة.
رابعاً: لا تغادر منزلك أثناء حدوث الزلزال
إذا كنت في المنزل أو في مكتبك حاول البقاء فيه ولا تخرج منه أثناء حدوث الزلزال، بل فور انتهائه. واثناء حدوثه حاول الاقتراب من العناصر الأكثر متانة في المنزل، كالأعمدة والعناصر الخرسانية المتينة.
خامساً: لا تعتمد على الكهرباء
بالتأكيد يمكن أن يسبب الزلزال قطعاً في التيار الكهربائي، لذلك احرص على تجنب استخدام المصاعد الكهربائية. إضافة إلى ذلك، ابقَ مستعداً لاحتمال انطفاء الأضواء. ولا ضير إن قمت بفصل القواطع الكهربائية في منزلك أو في مكان عملك.
التجربة اليابانية في الوقاية من الزلازل
تشتهر اليابان بنشاطها الزلزالي القوي، لذا فكر المهندسون بحل جذري لتفادي آثار الزلازل الضخمة قدر الإمكان. حدث ذلك من خلال تصميم الأبنية وتنفيذها بحيث تجعلها مقاومة للزلازل.
وبالتأكيد فإن ذلك لم يأتِ إلا من رحم المعاناة، فقد هز زلزال ضخم تبعه تسونامي عام 2011م واللذين خلفا أكثر من 18 ألف قتيل. هذا ما جعل اليابان تنهض وتفكر جدياً بحلول جذرية لتفادي تكرار مثل هذا الحادث المؤسف. ونتيجة لذلك، لم يخلف زلزال فوكوشيما عام 2022م سوى 4 قتلى، رغم أن شدته كانت 7.3 درجات على مقياس ريختر! وقبل ذلك ضرب اليابان زلزال عام 2021م بلغت قوته 7 درجات، ولم يخلف أيّة ضحية!
فرضت اليابان معايير هي الأكثر صرامة في العالم من ناحية مواصفات الأبنية. إضافة لذلك، تفرض الحكومة اليابانية قوانيناً لتجديد الأبنية لمراعاة المخاطر الطبيعية والحفاظ على هذه المعايير الموضوعة بشكل مستمر.
في الختام، لا يسعنا القول سوى أننا ما نزال ضعافاً جداً أمام هذه الظواهر الطبيعية. لكن برأيكم، ما هي أبرز العوائق التي تحول دون تطبيق التجربة اليابانية في جميع أنحاء العالم؟