الجاذبية هي إحدى أهم القوى التي تؤثر على حياتنا اليومية وعلى الكون بأكمله، ولكن هل فكرت يوماً في ماهيتها أو سبب وجودها؟ رغم أننا لا نستطيع رؤيتها، إلا أنها أساسية لبقاء الإنسان، ولتوازن الأرض، ولعمل النظام الشمسي.
ما هي الجاذبية وماذا تفعل بالضبط؟
الجاذبية هي القوة التي تسحب الأشياء نحو بعضها البعض. على الأرض هي ما يمنح الأشياء وزنها وهي تسحب الأشياء نحو مركز الأرض. بينما تتحكم جاذبية القمر في المد والجزر عبر سحبها للمياه نحوه.
مما يعني أنها تؤدي أدواراً مختلفة في النظام الشمسي؛ فهي السبب في بقاء الكواكب في مداراتها حول الشمس. أما هنا على الأرض، فهي المسؤولة عن سقوط الأشياء عند تركها، أو عودتنا إلى الأرض عندما نقفز.
من اكتشف الجاذبية؟
الجواب يبدو مألوفاً وسهلاً لمعظمنا؛ إنه السير إسحاق نيوتن عالم الرياضيات والفيزياء الإنجليزي. كان أول من اكتشف مفهوم الجاذبية. وحدث ذلك أثناء تأمله في قوى الطبيعة، فلاحظ سقوط تفاحة من شجرة التفاح. فكر في سبب سقوطها مباشرة إلى الأرض وعدم تحركها مجدداً. ومن هنا استنتج نيوتن أن هناك قوة تسحب التفاحة نحو الأرض، وبدأ في دراسة ما إذا كانت هذه القوة تمتد إلى النظام الشمسي بأكمله.
وفي عام 1632م قدّم نيوتن مفهوم الجاذبية وصاغ قانونها الذي ساعد العلماء فيما بعد على فهم كيفية عمل النظام الشمسي. وقبل هذا الاكتشاف كان هنالك اعتقادات عدة عن حركة النظام الشمسي. فمثلاً كان الإغريق يعتقدون أن حركة الكواكب والنجوم تخضع لإرادة آلهة!
كيف نقيس الجاذبية؟
تُقاس باستخدام جهاز يُسمى "جهاز قياس الجاذبية" أو "gravimeter"، وهو أداة تقيس تسارع الجاذبية نحو الأرض. وقد أظهرت التجارب أن قوة الجاذبية تختلف قليلاً عبر امتداد سطح الأرض بنحو ±0.5%، وذلك بسبب التأثير المتواصل لحركة الشمس والقمر على الأرض.
ويُستخدم هذا الجهاز بشكل رئيسي في الدراسات الجيولوجية وفي التنقيب عن المعادن ودراسة الزلازل. ورغم أن استخدامه كان مقتصراً على الأرض، إلا أنه من الممكن استخدامه على أسطح أخرى مثل القمر لدراسة مجالات الجاذبية هناك.
ماذا لو اختفت الجاذبية؟
رغم أن اختفاء الجاذبية أمر مستحيل، إلا أن بعض العلماء حاولوا توقع العواقب إذا حدث ذلك. فمثلاً حسب مقال نُشر على موقع BBC عام 2016م فإن غيابها سيؤدي إلى تفكك الأرض بالكامل. حيث في البداية ستطفو المحيطات والأنهار والبحيرات بعيداً في الفضاء. ثم تبدأ الأرض في التفكك إلى أجزاء صغيرة تطفو كجزيئات متناثرة.
طبعاً تأثر غيابها مدمر أينما كان فحتى الشمس ستتأثر بدونها، فهي لن تستطيع احتواء ضغط نواتها، مما سيؤدي إلى انفجارها.
كيف يؤثر غيابها على البشر؟
من خلال تجارب رواد الفضاء نعلم أن العيش بدون جاذبية يؤثر سلباً على جسم الإنسان. فعلى الأرض هي تعمل يومياً على تقوية عضلاتنا وعظامنا، حتى أثناء القيام بالأنشطة اليومية البسيطة مثل الوقوف.
لكن في الفضاء حيث تنعدم جاذبية الأرض، يفقد رواد الفضاء كثافة عظامهم وتضعف عضلاتهم بسبب قلة استخدامها. فمثلاً إن قضاء مدة ثلاثة أشهر في الفضاء، يحتاج رواد الفضاء بعدها إلى سنتين أو ثلاث سنوات لاستعادة كثافة عظامهم!
مما يدفعهم للخضوع إلى تمارين رياضية يومية مكثفة أثناء وجودهم في الفضاء لتقليل هذه الآثار قدر الإمكان.
هل توجد جاذبية تحت الماء؟
قد يبدو أنها غير مؤثرة تحت الماء لأننا نشعر بالخفة ونطفو، ولكنها تعمل هناك تماماً كما تعمل على اليابسة. فعندما ينغمر جسم ما في الماء، يتعين على الجاذبية أن تختار بين سحب الجسم أو سحب الماء المُزاح. وهو ما يُعرف بمبدأ الإزاحة. فإذا كانت كثافة الجسم أعلى من كثافة الماء، فإنه يغرق. أما إذا كانت أقل فإنه يطفو إلى المستوى الذي تتساوى فيه كتلته مع كتلة الماء المُزاح. بمعنى آخر فإننا لو رمينا جسم في محيط فهو لن يغرق ويصل إلى القاع إلا إذا كانت كثافته أكبر من كثافة الماء. فمثلاً يمكن أن يغرق كيس من البلاستيك في المحيط إلى عمق متوسط ويبقى يسبح بشكل حر هناك إلى ما لا نهاية.
هل لكل الكواكب جاذبية؟
نعم إنها موجودة في كل مكان. لكنها تختلف في شدتها من كوكب لآخر. فمثلاً لو كان وزنك على الأرض 45 كيلو غرام، فستزن 7.7 كيلوغرام فقط على القمر، و114 كيلو غرام على كوكب المشتري.
حيث يعود هذا الاختلاف في الوزن إلى اختلاف قوة التجاذب بين الكواكب، بينما تبقى كتلة الجسم ثابتة. فعندما تكون ضعيفة تشعر وكأنك تطفو كما يحدث عند السباحة في الماء.
أهميتها وتأثيرها على حياتنا
إنها ليست مجرد ظاهرة فيزيائية بل بشكل حرفي هي القوة التي تجعل الحياة على الأرض ممكنة. فهي تحافظ على استقرار كوكبنا وتضمن بقاء النظام الشمسي كما نعرفه.
لذا في المرة القادمة التي ترى فيها جسماً يسقط، أو تشعر بخفة في الماء، تذكر أن الجاذبية هي السر وراء كل ذلك وأننا فعلاً لا نستطيع العيش بدونها.