كوكب زحل.. العملاق الغازي وثاني أكبر كواكب المجموعة الشمسية. أكنت تعلم أنه يطفو على سطح الماء لو وُجد محيطٌ مائي بحجمه؟ نعم إن زُحل ليس فقط رمز من رموز الجمال الكوني، بل كنزٌ من الكنوز العلمية التي تحوي أسرار كثيرة حيّرت الفلكيين لقرون.
في هذا المقال سننطلق سويّاً في رحلة إلى عالم زُحل: الكوكب ذي الحلقات الساحرة والعواصف الغامضة والأقمار التي قد تكون قابلة للحياة عليها. فاستعد لدهشةٍ لن تنتهي وحقائق ستجعلك تنظر إلى السماء بطريقة مختلفة تماماً.
ماذا نعرف عن كوكب زحل؟
يحتل كوكب زحل (بالإنكليزية Saturn) موقعاً مميزاً في النظام الشمسي، فهو سادس كوكب من حيث البُعد عن الشمس. يقع بين كوكب المشتري العملاق وكوكب أورانوس الجليدي.
ويبعد عن الشمس مسافة تقدَّر بحوالي 1.4 مليار كيلومتر، وهي مسافة تجعله يتلقّى جزءاً ضئيلاً من أشعة الشمس مقارنة بالأرض. لذلك يتميز بجو بارد جداً وظروف غير مأهولة للعيش. أما بالنسبة لدورته المدارية فتستغرق نحو 29.5 سنة أرضية؛ أي أن السنة الواحدة على زُحل تُعادل ما يقارب ثلاثة عقود من حياتنا!
ووراء تلك الصورة الساحرة التي نراها لزُحل، تكمن مجموعة من الخصائص الفيزيائية المدهشة. فهو ثاني أكبر كواكب المجموعة الشمسية بعد المشتري، إذ يبلغ قطره نحو 120,500 كيلومتر، أي ما يعادل تسعة أضعاف قطر الأرض. ورغم ضخامته إلا أنّ كثافته منخفضة للغاية حيث لا تتجاوز 0.7 غ/سم³، ما يجعله الكوكب الوحيد في المجموعة الشمسية القادر على الطفو فوق سطح الماء في حال وُجد محيط ضخم بما يكفي.
ولا يمتلك سطحاً صلباً كالذي نعرفه على الأرض، بل يتدرّج غلافه الجوي من طبقات سحابية كثيفة نحو أعماق مضغوطة من الغاز تتحول تدريجياً إلى حالة سائلة بفعل الضغط الهائل.
يُكمل زحل دورته حول محوره خلال مدة 10 ساعات ونصف فقط (ساعة أرضية) وهي سرعة دوران مذهلة مقارنة بحجمه. وهذا الدوران السريع يسبب له تفلطح عند القطبين؛ لذا يظهر بشكلٍ مفلطح بدلاً من أن يكون كروياً تاماً. ويتكوّن في معظمه من الهيدروجين (حوالي 96%)، يليه الهيليوم مع آثار بسيطة من الميثان والأمونيا والماء. بالإضافة إلى مركبات أخرى تُضفي عليه ملامح ضبابية وتدرّجات لونية بين الأصفر والذهبي.
الخصائص الفيزيائية للكوكب
الغلاف الجوي للكوكب عبارة عن مزيج من الغموض والجمال حيث يتكوّن من طبقات متعددة من الغيوم التي تتراكب فوق بعضها البعض، وتُحرّكها رياح عاتية قد تصل سرعتها إلى أكثر من 1800 كيلومتر في الساعة. وهذا ما يجعله من الكواكب ذوي النشاط المناخي الكبير في النظام الشمسي. وفي قمم غيومه تكون درجات الحرارة منخفضة جداً، حيث تبلغ حوالي 178- درجة مئوية. ولكنه يُصدر حرارة داخلية تزيد عن تلك التي يستقبلها من الشمس، نتيجة لانكماشه التدريجي وتحوّل طاقته الكامنة إلى حرارة.
من الناحية الداخلية يُعتقد أن زحل يحتوي على نواة صلبة محاطة بطبقات كثيفة من الهيدروجين المعدني والهيدروجين السائل ثم يتواجد الهيدروجين الغازي في طبقاته العليا. هذه التركيبة تُمكّنه من توليد مجال مغناطيسي قوي؛ يحيط به ويؤثر على جزيئات مشحونة في الفضاء. وذلك تماماً كما يفعل المجال المغناطيسي الأرضي ولكن على نطاق أوسع بكثير.
أقمار الكوكب الغازي العملاق
لا يقتصر تميّز كوكب زُحل على حلقاته الأسطورية فحسب، بل يمتدّ التميز ليشمل نظامه القمري المُذهل. الذي يعتبر واحداً من أكثر الأنظمة تنوعاً وتعقيداً في المجموعة الشمسية. حيث يدور حوله أكثر من 140 قمراً معروفاً حتى الآن (بينها ما هو مؤكد وما يزال قيد الدراسة)، وتختلف هذه الأقمار بشكل كبير من حيث الحجم والتكوين والنشاط الجيولوجي.
يتصدر هذه الأقمار القمر العملاق تيتان (Titan) وهو أكبر أقمار الكوكب وثاني أكبر قمر في المجموعة الشمسية بعد القمر جانيميد الخاص بكوكب المشتري. يتميز القمر تيتان بغلاف جوي كثيف وغني بالنيتروجين، وهو القمر الوحيد في النظام الشمسي الذي يُشبه الأرض من حيث وجود غلاف جوي مستقر. بل حتى يضم بحيرات من الميثان السائل وأودية وأمطار. وهو ما يجعله هدفاً واعداً في دراسات الأوساط الصالحة للحياة خارج الأرض. حيث تُشير بعثاتٌ قامت برصده كبعثات "كاسيني" و"هيغنز" إلى أنّ تيتان قد يخفي محيطاً من الماء السائل تحت سطحه الجليدي، وهو اكتشاف يثير حماسة العلماء بشأن احتمالية وجود حياة مجهرية هناك.
أما القمر إنسيلادوس (Enceladus)، فهو مثال آخر على غرابة أقمار زُحل رغم صغر حجمه. فقد رصدت مركبة "كاسيني" أعمدة ضخمة من بخار الماء والجليد تنفجر من شقوق في سطحه الجليدي. ويُعتقد أنّ هذه الأعمدة مصدرها محيط داخلي دافئ يقع تحت طبقة الجليد.
ويضاف إلى القائمة أقمار أصغر كقمر ميماس وقمر ريّا، وكل من الأقمار ديون وتيثيس وإيابيتوس. وكل قمر يحمل خصائص جيولوجية وسطحية مثيرة تتراوح بين الفوهات العملاقة والأخاديد والتركيبات والنشاطات غير المفسّرة.
حلقات كوكب زحل: أعجوبة كونية ستختفي قريباً
حين يُذكر اسم زُحل فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا الحلقات الباهرة التي تلتف حوله كما لو أنها إطار سماوي مهيب. حيث تعتبر حلقات كوكب زحل من أكثر الظواهر الكونية تفرّداً وجمالاً، فهي لا تُشبه أي بنية مماثلة حول أي كوكب آخر في النظام الشمسي من حيث الحجم والوضوح والتعقيد. يبلغ عرض هذه الحلقات أكثر من 280,000 كيلومتر؛ أي ما يُعادل ثلاثة أرباع المسافة بين الأرض والقمر ومع ذلك فإن سماكتها لا تتجاوز في بعض المواضع عشرات الأمتار فقط!
![]() |
صورة حقيقية ملتقطة بواسطة تلسكوب جيمس ويب |
يعتقد البعض أن هذه الحلقات عبارة عن دوائر صلبة بكتلة واحدة تلتف حول زحل ولكن في الحقيقة تتكوّن هذه الحلقات من مليارات الجسيمات التي تتراوح في حجمها من غبار مجهري إلى كُتل جليدية كبيرة بحجم سيارة صغيرة. وتتكون غالباً من جليد نقي مختلط بكمية بسيطة من الصخور والغبار الكوني، وهذا يمنحها بريقاً عاكساً ومظهراً ساطعاً حين تُشاهد من الفضاء أو بالتلسكوبات المتقدمة. وقد صنّف العلماء هذه الحلقات إلى مجموعات رئيسية (A، B، C، D، E، F، G)، تُفصل بينها فجوات واضحة مثل فجوة كاسيني الشهيرة.
ومن الناحية الفيزيائية ليست هذه الحلقات ثابتة إنما هي بنية ديناميكية نشطة تتأثر بجاذبية الأقمار القريبة وبالرياح الشمسية وبالحقول المغناطيسية للكوكب. وقد اكتشف العلماء أن بعض الأقمار الصغيرة مثل "بان" و"دافني"، تتحرك داخل الحلقات وتُشكّل فجواتٍ وجسوراً تُشبه التموّجات في النسيج وهي ظاهرة تُعرف باسم "أقمار الراعي".
أما من حيث منشأ الحلقات فما زالت هناك فرضيات متعددة؛ منها ما يفترض أن الحلقات قد نشأت نتيجة تفكك قمر قديم تمزّق بفعل جاذبية زُحل، أو من بقايا مواد لم تنجح في الاندماج لتكوين قمر خلال المراحل المبكرة لتشكّل النظام الشمسي.
بعثة "كاسيني" التي دارت حول زُحل بين عامي 2004م و2017م كان لها فضل كبير في تقديم بيانات مكنت العلماء من تحليل تركيب الحلقات بدقة غير مسبوقة. فاكتشفوا أنها تفقد كتلتها تدريجياً وهو ما يعني أن حلقات زحل آيلة للزوال، ولتطّلع أكثر عن هذا الاكتشاف، اقرأ مقالنا التفصيلي عن زوال حلقات كوكب زحل.
الطقس والعواصف على سطح الكوكب
رغم مظهره الهادئ من بعيد إلا أنّ سطح كوكب زحل كما ذكرنا آنفاً يُعد واحداً من أكثر الكواكب اضطراباً مناخياً في النظام الشمسي. فبيئته الجوية المكوّنة أساساً من الهيدروجين والهيليوم تضجّ بحركات دورانية ورياح عاتية وأنظمة طقس معقدة.
من أبرز ما يميّز الطقس على زُحل هو سرعة الرياح الخرافية، والتي تصل في بعض المناطق إلى 1,800 كيلومتر في الساعة وهي الرياح الأسرع في النظام الشمسي بعد رياح كوكب نبتون. تُحرّك هذه الرياح الغيوم في خطوط عرضية متوازية تُعرف بـ "أحزمة زُحل"، وتنتج عنها أنماط ملوّنة تُرى بوضوح في الصور المُقرّبة وتكشف عن النشاط الديناميكي المستمر في غلافه الجوي.
والأشد إثارة في طقس زحل هو ما يحدث في القطب الشمالي لكوكب زحل؛ حيث توجد عاصفة سداسية الشكل تُعد من الظواهر الجوية الفريدة في الكون. فهذه البنية السداسية المثالية التي تمتدّ على أكثر من 30,000 كيلومتر، تمثل دوّامة عملاقة تدور حول نفسها منذ عقود وربما منذ قرون. وقد رصدتها لأول مرة مركبة "فوييجر" في الثمانينات ثم دُرست بعمق خلال بعثة "كاسيني". وقد اتضح للعلماء أن هذا الشكل الهندسي ليس ناتجاً عن بنية ثابتة بل عن تفاعل معقد بين الرياح والتفاوتات في السرعة والدوران داخل الغلاف الجوي. وحتى اليوم لا يزال العلماء يحاولون فهم آلية تشكله الدقيق خصوصاً أن العواصف على الكواكب الأخرى لا تُظهر مثل هذا التنظيم الهندسي.
![]() |
صورة توضح الشكل السداسي للعاصفة في القطب الشمالي من الكوكب |
كما أن أجواء زُحل تشهد عواصف موسمية ضخمة تُعرف باسم "العواصف الكبرى"، تحدث كل 30 سنة زُحلية تقريباً، وتغطي مساحات شاسعة من سطح الكوكب حيث تُطلق ومضات برقية أقوى بأضعاف مما نراه على الأرض وتستمر أحياناً لأسابيع أو أشهر.
ويُعتقد أن هذه العواصف الفريدة تتغذى على الحرارة الداخلية للكوكب، والتي تفوق كمية الحرارة التي تتلقاها من الشمس؛ مما يوفّر محرّكاً ديناميكياً مستمراً لدوّامات الرياح والغيوم.
ختاماً؛ كلما تأملنا حلقاته الدقيقة وعواصفه المتمردة، ودوّاماته السداسية التي لا يُمكن للعقل البشري أن يتخيل حدوثها تلقائياً نُدرك أن زُحل ليس كوكباً فحسب، بل كتاب مفتوح للعلم والدهشة. وهو مرصد طبيعي لفهم مناخ الكواكب العملاقة ومختبر كوني يساعدنا في فك شيفرات تكوّن الكواكب والمجموعات الشمسية، وربما حتى كشف أسرار الحياة في أماكن أخرى من المجرة.