دراسة جديدة نشرها موقع Science Advances بتاريخ 21 مارس لعام 2025م أفادت أن نسبة الأوكسجين في البحار والبحيرات حول العالم انخفضت بمعدل مقلق. وهو ما قد ينذر بعواقب بيئية وخيمة تمس أمن الحياة المائية والتوازن البيئي بأكمله. وبرغم أن هذه الظاهرة ليست جديدة في الأنهار والبحار، فإن الجديد يكمن في رصدها بشكل دقيق وممنهج في البحيرات، والتي بدأت تُظهر معدلات تراجع غير مسبوقة في مستويات الأوكسجين المُذاب.
انخفاض نسبة الأوكسجين في البحار والبحيرات
وجدت الدراسة العلمية أن مستويات الأوكسجين في البحيرات قد انخفضت بين عامي 1980م و2017م بمعدل 5.5% في الطبقات السطحية و18.6% في الأعماق. وهذا التراجع الحاد في نسبة الأوكسجين في البحار والبحيرات قد تسبب في حالات نفوق جماعي للكائنات المائية، ولعل أشهرها ما حدث في نهر "أودر" في بولندا عام 2022م.
![]() |
نفوق كمية كبيرة من الأسماك في نهر أودر، بولندا عام 2022م |
الباحث "ييبو زانغ" من الأكاديمية الصينية للعلوم وفريقه العلمي الذي قام بالدراسة؛ استعانوا ببيانات من الأقمار الصناعية والمناخ والجيولوجيا لإعادة تركيب تسلسل الأحداث التي أدت إلى هذا الانخفاض. فأظهرت نتائج تحليل 15,535 بحيرة أن أكثر من 80% منها تُعاني من تراجع مستويات الأوكسجين، وهو مشهد بيئي يستحق دق ناقوس الخطر.
ما هو العامل الخفي وراء هذه الظاهرة
بحسب الدراسة فإنه بين عامي 2003م و2023م، ازدادت أيام موجات الحر سنوياً في 85% من هذه البحيرات. وهذه الزيادة أدّت إلى تراجع ذوبانية الأوكسجين في الماء، وهو ما يُفسّر 7.7% من الانخفاض في نسبة الأوكسجين في البحار والبحيرات. فمن المعروف علمياً أن قدرة الماء على إذابة الأوكسجين تقل كلما ارتفعت درجة حرارته، وهو ما يتكرر بفعل التغير المناخي.
وقد ساهمت ظاهرة الإزهار الطحلبي -وهي ظاهرة تنتج بسبب زيادة المغذيات مثل الأسمدة ومخلفات الماشية- بنسبة 10% من انخفاض الأوكسجين. وهذه الظاهرة باتت تتفاقم أكثر بسبب الاحتباس الحراري، وهو ما يضيف عاملاً آخر يسرّع من التدهور البيئي.
ولهذا تُحمّل الدراسة الارتفاع المستمر في درجات الحرارة المسؤولية عن نحو 55% من الانخفاض المسجل في مستويات الأوكسجين. وهذا الرقم يعكس لنا مدى تأثير نسبة الأوكسجين في البحار على الحياة البحرية في ظل تغير المناخ. فإذا استمرت الاتجاهات الحالية على حالها؛ فإن العالم قد يفقد ما يصل إلى 9% إضافية من الأوكسجين المُذاب في البحيرات بحلول نهاية القرن وذلك بالطبع هو أسوأ السيناريوهات المناخية.
تهديدات هذا الانخفاض
تُغطي البحيرات حوالي 5 ملايين كيلومتر مربع من سطح كوكب الأرض، وتُعد موطناً لكائنات فريدة لا تعيش في أي مكان آخر. ومع تراجع نسبة الأوكسجين في البحار والبحيرات تظهر "مناطق ميتة" غير صالحة للحياة، وهو ما يؤدي إلى نفوق أنواع عديدة كثعابين البحر في نيوزيلندا وأسماك الموراي في أستراليا، وأنواع أخرى في بولندا وألمانيا.
وارتفاع حرارة الغلاف الجوي يزيد من تبخّر المياه، وذلك يؤدي إلى تسريع الدورة المائية ويؤدي إلى تقلبات شديدة بين الجفاف والفيضانات.
هل من حلول للمشكلة؟
يُعد تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة خطوة محورية لوقف تراجع نسبة الأوكسجين في البحار والبحيرات. لكن هذا ليس كافياً إذ يمكن للممارسات المحلية كتقليل تسرب النفايات الزراعية أن تُسهم في تحسين جودة المياه. لذا فإن الإنسان هو المسؤول الأول المعني بمكافحة هذه الظاهرة، فهل سنرى تدخلاً مهماً بشأن هذه المشكلة؟!