أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

آخر الأخبار

الإنترنت الفضائي: كل ما تحتاج معرفته عن المزايا والعيوب والأنواع

صورة من الفضاء لقمر صناعي يدور حول الأرض

في عصرٍ بات فيه الاتصال الرقمي شريان الحياة، لم يعد الوصول إلى الإنترنت ترفاً للجميع. حيث بات ضرورة يومية تفرضها متطلبات العمل والتعليم وحتى التواصل الاجتماعي. وبينما يعتمد الغالبية على الإنترنت الأرضي التقليدي، ظهرت تقنيات جديدة تفتح آفاقاً أوسع للوصول إلى الشبكة في الأماكن النائية والمناطق ذات البنية التحتية الضعيفة. ومن بين هذه التقنيات يبرز كل من الإنترنت الفضائي والإنترنت الهوائي كحلول بديلة وواعدة.

حيث تختلف في آلياتها وميزات استخدامها ولكنها تلتقي في هدف واحد؛ ألا وهو توفير الاتصال بالإنترنت حيثما يصعب توفره بطرق تقليدية. في هذا المقال نسلّط الضوء على الانترنت الفضائي؛ حيث سنستعرض خصائصه، وأداءه والتكاليف وسهولة الاستخدام.


1. ما هو الإنترنت الفضائي؟

الإنترنت الفضائي هو نوع من أنواع الاتصال بالإنترنت يتم عبر الأقمار الصناعية عوضاً عن الكابلات الأرضية أو أبراج الاتصال التقليدية. ورغم أنه ليس تقنية حديثة -إذ وُجد منذ التسعينات- إلا أنه كان بطيئاً ومكلفاً للغاية، وكان استخدامه محصور في الأغراض العسكرية أو في المناطق شديدة العزلة. ومع بروز مشاريع تقنية مثل Starlink التابعة لشركة SpaceX، ظهرت محاولات لتحسين سرعته وتوسيع نطاق استخدامه. ومع ذلك لم يصل الإنترنت الفضائي بعد إلى مستوى يجعل منه بديلاً فعّالاً عن الشبكات الأرضية، بل يُستخدم حالياً كحل مؤقت أو بديل في المناطق النائية أو المتضررة التي تفتقر إلى بنية تحتية مناسبة.

ولنشرح فكرته بشكل مبسط دعنا نفترض أنك تريد تصفّح الإنترنت، ولكن لا يوجد في منطقتك لا ألياف ضوئية ولا شبكة أرضية ولا تغطية جيدة من شركات المحمول. هنا يأتي دور الإنترنت الفضائي؛ فهو ببساطة يرسل ويستقبل إشارات الإنترنت من وإلى الفضاء عبر قمر صناعي يدور حول الأرض.


كيف يعمل الإنترنت الفضائي؟

لفهم مبدأ عمل الإنترنت الفضائي نحتاج إلى معرفة مكوناته الرئيسية الثلاث:

1. القمر الصناعي:

جسم معدني ضخم يدور حول الأرض على ارتفاع عالٍ (عادة 35,000 كم أو أقل تبعاً لنوعه)، حيث يقوم هذا القمر باستقبال البيانات من الأرض وإعادة إرسالها إليها.

2. الطبق (الهوائي) الموجود في بيت المستخدم:

طبق هوائي لانترنت فضائي في الصحراء
طبق إنترنت فضائي

يشبه طبق استقبال القنوات الفضائية، لكن وظيفته تتمثل في إرسال واستقبال البيانات من القمر الصناعي. يتم وصله مع راوتر خاص يختلف عن راوتر الاتصال الأرضي.

3. محطة أرضية رئيسية (Gateway):

تقع في بلد معين وتتصل بشبكة الإنترنت العالمية. حيث أن هذه المحطة هي التي تنقل الإنترنت إلى القمر الصناعي، ومن ثم يتم توجيهه إلى المستخدمين.

رحلة البيانات:

على سبيل المثال عندما تتصفح موقعاً فإن ما يحدث خلف الكواليس كالتالي:

• يرسل جهازك طلباً عبر الراوتر المتصل بكابل مع الطبق الفضائي.

• الطبق يرسل الطلب إلى القمر الصناعي في الفضاء.

• القمر الصناعي يرسل الطلب إلى المحطة الأرضية المتصلة بالإنترنت.

• المحطة الأرضية ترسل البيانات المطلوبة (مثل صفحة الموقع).

• تصعد هذه البيانات مرة أخرى للقمر الصناعي.

• القمر يعيدها إلى طبقك في البيت.

• وفي النهاية تظهر صفحة الموقع على جهازك.


أنواع الإنترنت الفضائي:

يعتمد هذا الإنترنت بشكل أساسي على الأقمار الصناعية التي تدور في مدارات مختلفة حول الأرض. والمدارات التي تقع فيها هذه الأقمار هي من يحدد كيفية عمل النظام الفضائي. وذلك من حيث زمن الانتقال (latency) وكفاءة الربط واستخدام الطيف الترددي علاوةً على قيمة التكلفة والتركيب من طرف المستخدم.

الأنواع الرئيسية للمدارات التي تستخدمها الأقمار الصناعية هي GEO (المدار الجغرافي الثابت) و MEO (المدار الأرضي المتوسط) و LEO (المدار الأرضي المنخفض). وكل نوع من هذه الأنواع له خصائصه المميزة التي تؤثر على الأداء والتكلفة والاستخدامات، والتي سنتحدث عنها تالياً.

1. المدار الجغرافي الثابت (GEO)

تدور الأقمار الصناعية في مدار GEO على ارتفاع يصل إلى 35,786 كيلومتراً فوق سطح الأرض. والميزة الأساسية لهذا المدار تتمثل بأن القمر الصناعي يبقى ثابتاً فوق نفس النقطة على سطح الأرض؛ مما يعني أنه لا يحتاج إلى تتبع مستمر من قبل محطات الأرض. وهذا ما يجعل النظام أقل تعقيداً من حيث الأجهزة المطلوبة على الأرض حيث يُمكن استخدام طبق استقبال ثابت.

ولكن العيب الرئيسي في هذا النوع من الأقمار هو التأخير الكبير في الإشارة (latency)؛ فالإشارة بحاجة إلى قطع مسافة طويلة ذهاباً وإياباً بين الأرض والقمر الصناعي، مما يسبب زمن انتقال (RTT) يتراوح بين 600 إلى 700 مللي ثانية. وهذا التأخير يجعل الإنترنت الفضائي في نظام GEO غير مناسب للتطبيقات التي تحتاج إلى استجابة سريعة كالألعاب عبر الإنترنت أو مكالمات الفيديو التفاعلية.

ومن الناحية التقنية نظام GEO يتطلب وجود هوائيات كبيرة (أطباق استقبال بقطر يتراوح بين 0.75 إلى 2.4 متر) لاستقبال الإشارة من الأقمار الصناعية. إضافة إلى وحدات BUC (Block Upconverter) لإرسال البيانات، ووحدات LNB (Low Noise Block) لاستقبال الإشارة. وبسبب موقعه الثابت فهو ليس بحاجة إلى آليات تعقب أو توجيه ديناميكي مما يجعل التركيب أسهل.

2. المدار الأرضي المتوسط (MEO)

الأقمار الصناعية في نظام MEO تدور على ارتفاع يتراوح بين 8,000 و 20,000 كيلومتراً فوق سطح الأرض. حيث أن هذا النظام يوفر حل وسط بين GEO و LEO من حيث المسافة والخصائص التقنية. فالأقمار الصناعية في MEO لا تبقى ثابتة في السماء، بل تتحرك فوق سطح الأرض بسرعات تتراوح بين 2 إلى 12 ساعة لدورة كاملة. وهو ما يعني أن هذه الأقمار تحتاج إلى محطات أرضية لتتبع الحركة المستمرة للقمر.

الخاصية الأكثر تميزاً في نظام MEO هي أن زمن الانتقال (RTT) أقل مقارنة بـ GEO؛ حيث يتراوح بين 150 إلى 250 ميلي ثانية. وهو ما يجعله خياراً جيداً للتطبيقات التي تتطلب تأخيراً أقل من GEO، ولكنه لا يزال غير مثالي للتطبيقات التي تتأثر بزمن التأخير كألعاب الأونلاين.

يتطلب نظام MEO محطات أرضية متطورة مع أطباق استقبال قادرة على تتبع الأقمار الصناعية المتحركة، وعادة ما يتم استخدام هوائيات صغيرة مقارنة بـ GEO ولكنها تحتاج إلى أكثر من قمر واحد لتحقيق تغطية مستمرة. تتراوح تكاليف تركيب النظام بين تكاليف GEO و LEO وهو مناسب للأعمال التجارية كالاتصال في الطائرات أو السفن.

3. المدار الأرضي المنخفض (LEO)

الأقمار الصناعية في نظام LEO تدور على ارتفاع يتراوح بين 300 إلى 2,000 كيلومتراً فقط. وهي أقمار سريعة جداً؛ حيث تدور حول الأرض في دورة زمنية قصيرة جداً تبلغ حوالي 90 إلى 120 دقيقة. وهو ما يعني أن القمر الصناعي في LEO يمر فوق نقطة معينة على الأرض عدة مرات في اليوم. وبالتالي لتحقيق تغطية مستمرة يحتاج النظام إلى كوكبة ضخمة من الأقمار الصناعية التي تعمل معاً بشكل متناسق.

الميزة الأهم لهذا النوع من المدارات هي أن زمن الانتقال (RTT) منخفض جداً مقارنة بـ GEO و MEO، حيث يتراوح بين 20 إلى 50 ميلي ثانية. وهذا يجعل LEO مثالياً للتطبيقات التي تحتاج إلى استجابة سريعة، كالألعاب عبر الإنترنت أو مكالمات الفيديو. بالإضافة إلى أن نظام LEO يعزز من كفاءة استخدام الطيف الترددي بشكل كبير.

يتطلب نظام LEO من الناحية التقنية هوائيات إلكترونية ذكية كالأطباق ذات التوجيه الإلكتروني (phased-array antennas)، والتي تُعدّل الاتجاه تلقائياً لتتبع الأقمار الصناعية المتحركة. تكون هذه الأطباق أصغر بكثير من الأطباق المستخدمة في GEO و MEO مما يجعلها أسهل في التركيب والاستخدام.

أنظمة Starlink من SpaceX تعتمد على هذه التقنية، حيث يتم تركيب هوائي صغير يدعى "Dishy" على سطح المباني ويتولى الجهاز توجيه الإشارة تلقائياً نحو القمر الصناعي الأقرب.

يُعد نظام LEO أكثر تكلفة للشركة في البداية من GEO و MEO بسبب الحاجة إلى كوكبة من الأقمار، لكنه يوفر أداء عالي في التطبيقات التفاعلية ويوفر أفضل تغطية للمناطق النائية في العالم.

وبالمقارنة بين الأنواع الثلاثة سنجد أن نظام GEO مناسب للتطبيقات التي لا تتأثر بزمن التأخير (مثل التصفح العام). في حين أن نظام MEO يوفر تأخيراً أقل ويمكن استخدامه في تطبيقات تجارية مثل الطيران أو السفن. أما نظام LEO فهو الأنسب للتطبيقات التفاعلية التي تتطلب استجابة سريعة.

وإجمالاً كل نوع من المدارات له مزايا وعيوب تقنية تتناسب مع أنواع معينة من التطبيقات. واختيار النوع المناسب يعتمد بشكل كبير على الاحتياجات الخاصة بالنظام من حيث التكلفة والأداء وزمن الاستجابة.


مميزاته

1. الوصول من أي مكان: فحتى لو كنت في صحراء أو على قمة جبل أو في مزرعة نائية؛ ستتمكن من الحصول على إنترنت فضائي طالما أن السماء فوقك مفتوحة وتحمل الطبق الفضائي والراوتر.

2. لا حاجة لبنية تحتية: لا تحتاج لأي كابلات أو خطوط هاتف أو أبراج تغطية، فقط طبق وجهاز استقبال وكابل توصيل قصير بين الطبق وجهاز الاستقبال.

3. حل سريع للمناطق المحرومة: الدول أو المناطق التي لا توجد بها تغطية إنترنت يمكنها استخدام هذه التقنية كحل مؤقت أو دائم.


عيوبه

هنالك عدة عيوب سنذكر تالياً أهمها:

1. الـتأخير في الاستجابة (Latency): خصوصاً في الأنظمة التقليدية (GEO)، لأن الإشارة تقطع مسافة ضخمة ذهاباً وإياباً (أكثر من 70 ألف كيلومتر). هذا التأخير يجعل ألعاب الأونلاين أو مكالمات الفيديو صعبة أحياناً، ولكنه يكاد لا يُلاحظ كثيراً في الاستخدام العادي.

2. تأثّر الإشارة بالطقس: العواصف والأمطار الغزيرة أو الغبار يمكن أن تعيق جودة الاتصال، لن يسبب ذلك انقطاع تام ولكنه سيؤثر بشكل مباشر على سرعة الإنترنت.

3. تكاليف مرتفعة: المعدات (الطبق + الجهاز) قد تكون غالية نوعاً ما والاشتراك الشهري كذلك، خاصة إذا ما تمت مقارنة الكلفة بكلفة الإنترنت الأرضي.

4. القيود على الاستخدام: بعض الشركات تضع "سقف استهلاك شهري" (Data Cap) أي أنك لا تستطيع استخدام الإنترنت بحُريّة بعد حد معين من الاستهلاك.

5. أمن البيانات أقل مقارنة بالكوابل: الإشارة تنتقل لاسلكياً في الجو لذا فهي أكثر عرضة للاختراق إذا لم يتم تأمينها بشكل جيد، رغم وجود تقنيات تشفير متقدمة.


سرعة الإنترنت الفضائي

سرعة الإنترنت الفضائي هي أحد الجوانب الأساسية التي تؤثر على تجربة المستخدم. وقد تطورت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة بفضل التقدّم التكنولوجي في الأقمار الصناعية. لكن هناك عدة عوامل تؤثر في سرعة الإنترنت الفضائي، ومنها نوع القمر الصناعي وموقع المدار وعوامل بيئية أخرى.

شخص يتفحص الإنترنت عبر الهاتف وأمامه لابتوب

1. السرعة التي يقدمها:

يمكن تقسيم السرعة التي يقدمها الإنترنت الفضائي إلى التنزيل (Download) والتحميل (Upload). وبشكل عام السرعات تختلف حسب نوع القمر الصناعي (GEO، MEO، LEO) وجودة الاتصال.

• أقمار GEO: عادةً ما توفر سرعات تصل حتى 100 ميغابت في الثانية (Mbps) للتنزيل. وحوالي 3 إلى 20 ميغابت في الثانية للتحميل.

• أقمار MEO: تتمتع بسرعات أعلى مقارنة بـ GEO، حيث تتراوح السرعة بين 100 إلى 500 ميغابت في الثانية للتنزيل. وحوالي 50 إلى 200 ميغابت في الثانية للتحميل.

• أقمار LEO: الأقمار التي تدور في مدارات منخفضة توفر أعلى السرعات؛ حيث يمكن أن تتراوح السرعات بين 50 إلى 300 ميغابت في الثانية (وقد تصل إلى 1غيغابت في الثانية ببعض المناطق). وحوالي 20 إلى 100 ميغابت في الثانية للتحميل، وذلك مع انخفاض ملحوظ في زمن التأخير (latency).


2. العوامل المؤثرة في سرعة الإنترنت الفضائي:

• زمن التأخير (Latency): زمن التأخير هو المدة التي تستغرقها الإشارة للانتقال من جهازك إلى القمر الصناعي ومن ثم العودة إلى الجهاز. بالنسبة لـ الأقمار GEO هذا التأخير مرتفع كما ذكرنا مسبقاً، وذلك بسبب المسافة الكبيرة بين الأرض والقمر الصناعي. أما في أقمار LEO يكون التأخير أقل بكثير لأن القمر الصناعي يدور على ارتفاع منخفض حول الأرض.

• التداخل المناخي: يمكن أن يؤثر الطقس السيئ على سرعة الإنترنت الفضائي، وخاصة في نظامي GEO و MEO فيمكن أن تسبب الأمطار الغزيرة أو العواصف "تأثيرات الأمطار" (Rain Fade) والتي تؤدي إلى انخفاض في جودة الإشارة. طبعاً هذا التأثير يقل في LEO نظراً للقرب من الأرض.

• سعة الطيف الترددي: الأقمار الصناعية تستخدم ترددات راديوية مختلفة مثل Ku-band و Ka-band، ولكن Ka-band يستطيع أن يوفر سرعات أعلى نظراً لوجود نطاق ترددي أكبر. ولكنه أكثر تأثراً بالعوامل الجوية مما يؤثر أحياناً على سرعة الاتصال.

• عدد المستخدمين: السرعة تعتمد أيضاً على عدد المستخدمين المتصلين بالقمر الصناعي في نفس الوقت. ففي حالة الازدحام الشديد أو كثرة المستخدمين في نفس المنطقة؛ فإن السرعة تتخفض بشكل ملحوظ بسبب تقاسم سعة القمر الصناعي.

وجديرٌ بالذكر أن بعض أنظمة الإنترنت الفضائي الحديثة باتت تستخدم تقنيات مثل QOS (Quality of Service) لتقليل تأثير التأخير وتحسين جودة الاتصال وهو ما يزيد من سرعة الإنترنت خاصة في نظامي LEO و MEO.


ختاماً.. هل يمكن الاعتماد عليه؟

بالنسبة للتصفح اليومي ولأداء المهام العادية على الإنترنت أو لمشاهدة الفيديوهات والدراسة عن بعد فنعم يعتبر خيار جيد يمكن الاعتماد عليه ولكن بالنسبة لألعاب الأونلاين التنافسية، ليس مثالياً إلا إذا كان من الجيل الحديث، وذلك سيرفع بالتأكيد الكلفة المادية على المستخدم.

ويمكن أن يستخدم كحل احتياطي (Back-up) للشركات أو مراكز البيانات. ويعتبر الخيار الأمثل في حالات الطوارئ والكوارث لأنه لا يعتمد على البنية التحتية التي قد تتضرر.

AYA BRIMO
AYA BRIMO